علي آل غراش: عفوًا سمو الأمير .. بل الوطن مختطف

[هيئة التحرير]

علي آل غراش: عفوًا سمو الأمير .. بل الوطن مختطف

هل الوطن كلّه مخطتف من قبل فئة ما، وماذا بعد اعتراف السلطة مؤخرًا أنّ المؤسسة التعليمية في السعودية مختطفة، فمن الخاطف الحقيقي؟

وصفَ وزير التعليم الجديد الأمير خالد الفيصل المؤسّسة التعليميّة في السعوديّة بالمختطفة من قبل الجماعات الدينية المتشدّدة طوال السنوات الماضية، وتمّ رصد ميزانية ضخمة بقيمة 80 مليار ريال؛ أي أكثر من 21 مليار دولار باسم “مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام”، كمحاولة لإنقاذ التعليم وحلقة جديدة من مسلسل الإنقاذ للتعليم. فكل وزير جديد يعلن عن مشروع تطويري وتخصيص ميزانية بعشرات المليارات مصحوبة بحملة إعلامية ضخمة، والنتيجة هي الفشل الذريع كما حدث للخطة السابقة التي خصص لها نحو 9 مليار انتهت مؤخرًا دون تغيير الواقع السيّئ.

التعليم في السعودية يحتلّ مرتبة متدنية حسب التصنيف الدولي للتعليم؛ “فقد احتلت السعودية أحد المراكز الثلاثة الأخيرة عالميًّا في الرياضيات، والمراكز السبعة الأخيرة في العلوم حسب تقرير مركز ماكينزي”. ورغم تخصيص 25 % من الميزانية العامة للدولة للتعليم، إلّا أن هذه المؤسسة لم تستطع إنشاء مطبعة خاصة لطباعة الكتب، وما زالت هناك مدارس في بيوت مستأجرة كعلبة الكبريت تفتقد للبيئة التعليمية المناسبة، ومدارس تفتقد للتجهيزات، بالإضافة إلى عدم وجود روضات أطفال رسمية حتى الآن.

المؤسسة التعليمية ينخر فيها الفسادُ كبقيّة المؤوسسات الوطنية، وتحولت إلى دجاجة تبيض ذهبًا للفاسدين.

عفوًا سموّ الأمير؛ إن التعليم المختطف، كما قلتَ، هو مؤسسة من جملة مؤسسات الوطن المختطفة؛ حيث إن الوطن كلّه مختطف، وللأسف لقد تشابه على رجال السلطة مَن هو المسؤول الحقيقي عن اختطاف الوطن وضياع حقوق المواطنين وفشل مؤسسات الوطن القيام بالدور المناط بها. وفي الواقع، فإن الأسباب الرئيسة عن انتشار الفساد في الدولة واختطاف الوطن واضحة للعيان لا تحتاج إلى تدقيق وخبرة وتطبيل إعلامي وتقديم كبش صغير -جماعة الإخوان أو التيار المتشدّد- وهو من صناعة بعض المسؤولين في يوم من الأيام.

عذرًا سموّ الأمير؛ منذ عقود من الزمن ومؤسسات الدولة مختطفة ومنها المؤسسة التعليمية، وقد كتب وقال الكثير من المختصين والمهتمين حول المؤسسة التعليمية، وكُتبت العديد من المقالات حول الوضع المزري للمؤسسة التعليمية منذ عقد من الزمن، ومنها: مَنْ ينقذ المؤسسة التعليمية من آفة الطائفية؟، ومقال: هل التعليم في السعودية غارق في التشدد والكراهية وما هو أعظم؟

من الغريب أنّ الحكومة بعد هذه المدة الطويلة تنتبه وتصحو بعد سبات ونوم عميق، ويعلن الوزير رجل المهمات الصعبة ابن العائلة الحاكمة الأمير خالد الفيصل أنّ التعليم طوال السنوات الماضية مختطف، ويطبل الإعلام وتتحرك الأقلام في الصحف المحلية لتقدّم الثناء للأمير الشجاع الذي قال: «كان المجال بأكمله لهم “للمتشددين”، ولم يكن هناك مجال للفكر السعودي المعتدل ومنهج الاعتدال. تخلّينا عن أبنائنا واختطفوه».

عذرًا سموّ الأمير؛ هناك تساؤلات هامة:
من المسؤول عن اختطاف المؤسسات الوطنية وبالذات التعليم وعن أيّ فكر سعودي معتدل تتحدث؟
أليس الفكر الذي يدرس في المدارس هو الفكر السعودي الأصيل الذي تتبناه السلطة وتدافع عنه؟
أليس من تصفهم بالمتشددين هم شركاء مع الأسرة الحاكمة في السلطة حسب الاتفاق بينهم أن المؤسسات الدينية والتعليمية في الدولة تكون بيدِهم؟
أليست السلطة هي التي سلّمت مَن يتمّ وصفهم اليوم بالمتشددين والمخربين في المؤسسة التعليمية وسلمتهم عقول الأطفال؟
لماذا الآن الإعلان عن اختطاف المؤسسة التعليمية، وهل ذلك محاولة من قبل البعض لتجاوز الفشل الذريع في إدارة المؤسسات الوطنية مثل التعليم إلى تحميل المسؤولية (عن الفشل) إلى المسؤول الصغير، وهو التيار الديني المتشدد فقط؟
ما موقف الشعب المغلوب على أمره من ذلك؟ وهل يدرك من هو الخاطف الحقيقي للوطن؟

عفوًا سموّ الأمير؛ المسؤولية تقع على السلطة التي تدير الوطن والتي كانت راضية عن أداء المؤسسة التعليمية طوال السنوات الماضية، وترفض أيّ انتقاد لتلك المؤوسسة وترفض إصلاحها، بل يتم التشكيك والتخوين لكل مواطن مخلص يطالب بإصلاح التعليم وتنقيته من الفكر المتشدّد والتكفير لفئات من المواطنين والتمييز والإساءة؛ الفكر الذي يكرّس الفكر الأحادي المتشدّد، ويخرج المتشددين أو فئة من الطلاب بلا علم و لا معرفة وبلا دين وأدب، بالإضافة إلى طريقة التدريس التي تعتمد على التلقين النظري.

عذرًا سموّ الأمير؛ إن مؤسسات الوطن مختطفة منذ عقود من قبل فئة فاسدة استغلّت المناصب لتنشر الفساد في أرجاء الوطن. التعليم مختطف، والصحة مسلوبة، والإسكان عاجزة عن تحقيق منال وحلم المواطنين بسكن – حيث الآراضي الشاسعة مسروقة باسم التشبيك والمنح الخاصة، والاعتداء على البيئة وعلى السواحل البحرية ودفنها لجعلها أراضي لسرقتها-، بالإضافة إلى حرمان المواطنين من حقوقهم في الثروة الوطنية بسبب غياب العدالة والمساواة. ولا ننسَ دور الإعلام الرسمي؛ فهو شريك في عملية الاختطاف وتلميع سمعة الخاطفين والفاسدين وخداع المواطنين. أمّا دور المؤسسات العسكرية فحدّث ولا حرج؛ فهي مليئة بالأمراض ومنها الأخلاقية وقد نشرت الصحف المحلية بعض تجاوزات أفراد هذه المؤسسة على أعراض المواطنين والمواطنات كالاغتصاب لفتاة طوال 5 سنوات، وفضيحة فيديو القوات الأمنية في العوامية، حيث أظهر هذا الفيديو المستوى التعليمي والأخلاقي والنَّفس الوطني المنحطّ عند بعض أفراد هذه المؤسسة العسكرية التي كان يجب أن تكون في خدمة الشعب وليس في خدمة مصالح خاصة. فالشعب يعيش الرعب من الأجهزة الأمنية، التي تمارس أبشع الأساليب العسكرية التعسفية مع كل من يطالب بحقه أو يطالب بالإصلاح أو يتظاهر بشكل سلمي؛ إذ مصيره الاعتقال والتعذيب والتنكيل والسجن لعقود من الزمن أو الحكم بالإعدام؛ إذ يوجد في السجون أبرياء -أطفال وشباب وشيوخ- جرمهم المطالبة بالإصلاح وتطبيق العدالة في وطنهم.

عفوًا سموّ الأمير؛ ليس التعليم فقط مختطفًا، بل الوطن والشعب كله مختطف من قبل فئة تتحكم بالوطن والمواطنين، وقد حان الوقت للتحرير من الاختطاف القسري، ليعيش كل مواطن حياة كريمة في وطنه الغالي لينعم جميع المواطنين بالعدالة والحرية والتوزيع العادل للثروة والتعبير عن الرأي والشراكة الوطنية عبر اختيار الدستور والنظام والحاكم وحقّ انتخاب مجلس تشريعي له كامل الصلاحيات ومنها محاسبة المسؤول.
وفي الأخير، نريد التأكيد أنّ كافة المواطنين الشرفاء المحبين لوطنهم الغالي مع تحرير مؤسّسات الوطن من الاختطاف والخاطفين والفاسدين. حفظ الله الوطن والمواطنين.